Wednesday, May 09, 2012

أنا عايز كلمات.. كلمات تافهة

قررت اليوم الكتابة في موضوع أقل ما يوصف به أنه مجنون ، هذا إذا لم يتهم أحد كاتب السطور بالجنان الرسمي بسببه..

ماذا لو كتب شاعر ما أغنية هابطة عن عمد؟

أولاً.. لنتفق أن معظم الأغاني الهابطة الحقيقية لا يقتنع أصحابها بأنها أغان هابطة ، ولا يقتنع مؤلفو ومخرجو وممثلو أفلام المقاولات أو أفلام الدرجة الثانية أو الثالثة أنهم يقدمون شيئاً سيئاً.. هم يقدمون أعمالاً فنية عادية وربما ممتازة ولها من يتقبلها ويتعامل معها بجدية وهذا صحيح ، وهناك من يجد فيما نعتبره هابطاً أشياءً جديرة بالمتابعة وهذا حقه وقد يكون ذلك صحيحاً .. كما أن هناك درجات نسبية من الهبوط تختلف باختلاف الزمان والمكان، البعض انهال على "عدوية" بالشتائم وبأوصاف لم يقلها الإمام "مالك بن أنس" في الخمر على اعتبار أن أغانيه "هابطة" فقط لخروج بعض كلماتها عن القاموس المتعارف عليه لأغاني الحب التي كانت النمط الغنائي الوحيد المعترف به من قبل الإعلام والإبداع الرسمي ولاستعمال كتاب أغاني عدوية من أمثال "حسن أبو عتمان" لغة أقرب للغة الحوار الدارج بين فئات مختلفة من الشعب ، قبل أن يعاد اكتشاف أغانيه بعد سنوات لنكتشف أنها لم تكن من السوء بالمرة .. بل إنها تحف فنية حتى إذا ما قورنت بأغان مدللة رسمياً من قبل بعض السادة المثقفين..

لنعد إلى السؤال ، وأجيب بـ"نعم" .. من الوارد أن يكتب شاعر غنائي كبير، أو كاتب درامي محترم أغنية هابطة ، عندما يكون ذلك في سياق درامي ، في فيلم أو مسرحية أو مسلسل ، طبقاً لمواقف معينة ، ولا أبالغ إن قلت أن ذلك يمثل تحدياً حقيقياً للشعراء والكتاب ، تماماً كما تمثل مثلاً كتابة القصائد بالفصحى لشعراء ليسوا شعراء فصحى من أمثال الكبار "سيد حجاب" و "عبد الرحمن الأبنودي".. ولهما تجارب مع الأغنية الهابطة الدرامية كما سيتقدم ..

الموضوع قديم ، وليس وليد اللحظة ، في فيلم "دليلة" اضطر "عبد الحليم حافظ" لغناء أغنية "الحق عليه ويخاصمني" عندما تنازل فنياً وقرر الغناء في ملهى ليلي أغانٍ هابطة ، كاتبها هو العملاق "حسين السيد" ، كتب عنه المدون في وقت سابق وسيكتب بإذن الله عندما تسنح الفرصة ، وملحنها بالمناسبة هو الموهوب "منير مراد" ، هي الدراما..

حاول "سيد حجاب" و "عبد الرحمن الأبنودي" وهما من أروع شعراء العامية وأعلاهم موهبة دخول مجال كتابة الأغنية الهابطة الدرامية ، ستذهل عندما أقول لك أن هذين الكبيرين اللذين عكسا في أشعارهما الروح المصرية بامتياز ، وأبدعا في استخدام القاموس المصري من البرلس شمالاً لحلايب جنوباً ، ومن السلوم غرباً إلى طابا شرقاً ، قد فشلا بامتياز في تقديم أغنية هابطة مقنعة داخل السياق الدرامي!

"الأبنودي" صاحب روائع غنائية في مسلسل "أبو العلا البشري" من تتر بدايته لتتر ختامه ، أخفق في تقديم أغنية هابطة مقنعة في المسلسل ، غناها "الحجار" ولا يزال يغنيها اعتزازاً بهذا المسلسل الذي يعد من كلاسيكيات الدراما العربية بلا مبالغة ، في المسلسل اضطر "محسن" أو "عمرو" على ما أذكر (="الحجار") لغناء أغان هابطة من أجل المال فجاءت "الهؤة المؤة السلامؤة" ويقال "الزلمؤة" .. باستثناء المقطع الأول لم تكن الأغنية مقنعة كأغنية هابطة ، أو كنظيرة للأغاني الهابطة المنتشرة في ذلك الوقت في الملاهي الليلية أو ما يعده صناع المسلسل والشاعر نفسه غناءاً هابطاً ، حتى غرضها الدرامي وهو السخرية التي تصل إلى درجة الإضحاك لم يتحقق.. يبدو أن الرقة والعذوبة في "الشغل العادي" لقيمة وقامة كـ"الأبنودي" لا تزال مسيطرة على كتابة أغنية تتطلب مواصفات أخرى بحكم الدراما -"ياللي غرامك دوبنا ، ما ترق علينا حبة يا سيدنا" ، وختمها بتشبيهات لا تقنع في أغنية كهذه "دة أنت قلبك سكينة حامية.. وقلوبنا أطرى من الجبنة" .. نفس الشيء تكرر بعدها في مسلسل "الكهف والوهم والحب" ، والذي يعد هو الآخر من أجمل المسلسلات التي ظهرت في تلك الفترة وفي عام يعد أسطورياً للدراما المصرية (1989)، عندما قدم أغنية "هشتكتك بالهشاكة" التي غنتها الشخصية التي لعبتها "شهيرة" في المسلسل عندما اضطرت للغناء في ملهى ليلي بعد أن فشلت كممثلة ومنتجة..

"سيد حجاب" حاول تقديم أغنية هابطة كوميدية في "سامحوني ما كانش قصدي" الذي حقق كمسلسل فشلاً ساحقاً رغم نجاح أصله الإذاعي ، في مثال عملي على كيفية فشل عمل فني يشارك في صنعه مبدعون كبار وموهوبون ، جاءت تلك على لسان "شعبان عبد الرحيم" قبل أن يحقق شهرته الكبرى في أوائل الألفية.. ولم تقنع!

ولم يكن الأمر قاصراً على الكبار ، "مدحت العدل" الذي لم يقنعني يوماً ككاتب سيناريو ، حتى في أفضل أفلامه "أمريكا شيكا بيكا" ، فشل في تقديم أغنية هابطة مقنعة في فيلم "أصحاب ولا بيزنس" .. صحيح أن اللحن -للملحن "صالح أبو الدهب"- والتوزيع -لـ "محمد عناني" - لمقدمة الأغنية التي غناها المطرب الشعبي المغمور "سوسو أبو شامة"- يظهر في الفيلم بدوره واسمه الحقيقي- بإيقاعيته مهدا لسماع أغنية تضحكك من فرط هبوطها وتؤدي الغرض الدرامي بنجاح ، إلا أن الكلمات لم تأتي مقنعة ، بالمرة ، رغم اجتهاد "سوسو" -الذي أصبح أثراً بعد عين بعد الفيلم - في تقديم نفسه!

"محمود أبو زيد" هو الوحيد الذي كسر تلك القاعدة رغم كونه كاتب سيناريو وشاعر هاو يكتب للتعبير عن شخصياته فقط - كما كررها لاحقاً في "الذل" في "مسير البلية تلعب" التي لحنها الراحل "حسن أبو السعود" وغناها بطل الفيلم "يحيى الفخراني"، حتى أنه في فيلم "الكيف" لم يكتب عبارة "الأغاني من تأليف" أو "أشعار" بل كتبها بالاتفاق مع "علي عبد الخالق" مخرج الفيلم "الأغاني من تخريف محمود أبو زيد".. أغاني فيلم "الكيف" هي أقوى أغان هابطة موظفة درامياً سمعها المرء في حياته.. أتقنها الرجل لدرجة تجعلنا نشعر أنه يحترف كتابة تلك النوعية من الأغاني فعلاً..

وهناك أكثر من سبب لنجاح لعبة "أبو زيد".. هو ككاتب يعرف شخصياته جيداً ويوظفها بإتقان حتى في فيلم كوميدي صاخب (في ثلثيه الأولين على الأقل) ، ويعرف أن "جمال أبو العزم" أو "المزجنجي" رجل اتجه إلى "الكيف" كنايةً عن تخدير عقول الناس ووعيهم عن طريق الأغاني الهابطة ، فكانت خطته - ="أبو زيد"- تتلخص في الآتي : لنكتب على لسان "المزجنجي" أغان هابطة تنجح في الفيلم نجاحاً مدوياً ، ولكي تنجح في الفيلم ، لابد من أمارة حقيقية على إمكانية نجاح مثل تلك الأشياء كما يحدث في الحقيقة!

"يا حلو بانت لبتك .. أول ما ظهرت قشرتك.. تحرم عليا محبتك.. وراح أتوب عن سكتك.. القلب منك مليان جفا .. والصبر من قلبي اتنقى .. وراح معاه كل الصفا .. ضيعته بعندك يا قفا .. يا قفا يا قفا"..

القاعدة بسيطة : لكي تحاول السخرية من شيء ، حاول أولاً تقليده ، وهو ما نجح فيه "أبو زيد" وفشل فيه شعراء عمالقة آخرون ، فبما أن الأغان الهابطة كما كان يعدها "المبدعون الرسميون" - تعبير حقوقه محفوظة للكاتب والناقد الموسيقي "أشرف عبد المنعم"- أقرب إلى لغة الناس فقرر استعمال تشبيهات دارجة - "بانت لبتك" .. "ظهرت قشرتك".. بدت سهلة لمشاهد الفيلم وحتى للجمهور في نهاية الفيلم الذي أعجب أيما إعجاب بشريط به أغاني "الكيميا" و"القفا"..ومقنعة جداً بحيث أنك من المتوقع أن تسمع شيئاً مشابهاً من الأغاني "الهابطة" الحقيقية التي كانت رائجة في ذلك الوقت.. حتى إفيه "القفا" كان دارجاً ومستخدماً للتعبير عن شخص غبي لا يفهم ، على العكس مما فعله مثلاً "أيمن بهجت قمر" عندما قرر الاستعانة في أغنية كوميدية شهيرة بتعبير قديم جداً هو "خرونج" قيمته الإضحاكية تكمن فقط في كونه مرتبطاً بـ"شاهد ما شافش حاجة"..

صعوبة الكتابة للكوميديا ، حتى في الأغنية ، أنه حتى عندما تكتبها لمجرد السخرية لا للإضحاك ، كالرسم الكاريكاتيري ، يجب أن تعد للوصول لهدف أبعد حتى دون أن توصل للمستمع أو المشاهد ذلك بشكل صريح ، أي : فكر في الإضحاك دون أن تشعر المشاهد أو المستمع أنك "تزغزغه" أو تقول له "الحتة دي تضحك..اضحك بقا ..ههههه".. مرة أخرى .. الكوميديا صعبة ، وهناك كتاب كبار لم ينجحوا فيها ، وهذا لا يقلل منهم.. ومع مكانة "أبو زيد" الخاصة والمتميزة في قلب كاتب هذه السطور ، أقول للكبيرين الرائعين "الأبنودي" و"سيد حجاب" ، حتى مع الفشل في تقديم أغان هابطة ساخرة مضحكة ، "بحبك يا ستاموني .. مهما الناس لاموني".. :)
* "قول يا ريس ستاموني قول".. الصورة من الفيس بوك..

2 comments:

Zakert.El2ghane said...

من لم يقع فى هذا الفخ أيضا الشاعر حمدى عيد فى مسلسل على عليوه عندما كتب مش كل كل ولا اى اى وغناها منير حتى عندما اراد منير ان يعيد توزيعها قرر اسناد مهمتها الى اشرف محروس والعهده هنا على كلام اشرف محروس لان منير قال له انها سوف تليق اكثر لمنير تجاريا اذا وزعها هو والاغنيه رغم سخافه كلاماتها وهبوطها المقصود الا انى ارى انها ناجخه جدا

قلم جاف said...

أتفق تماماً