Sunday, May 27, 2012

"أوراق الورد" بين القطة وفأر المخزن

على اختلاف مواقفنا السياسية الذي يصل لحد التشابك و"الشَكَل" ، عادت "وردة" لتوحدنا من جديد ، للمرة الأخيرة هذه المرة.. و أنا من الجيل الذي ارتبط غنائياً بـ"وردة" منذ "قلبي سعيد" التي تعد من أول وأجمل ما سمعت من أغان في حياتي ، وأغاني مسلسل "أوراق الورد" الذي عاشت في ذاكرة هذا الجيل وأجيال جاءت من بعده..

ولأننا في زمن "أحمد أنيس" ، الذي يذكرنا كثيراً بالدور البديع الذي قام به الراحل الكبير "شكري سرحان" في رائعة "شاهين" "عودة الابن الضال" ، من الطبيعي ألا يكون للذكريات ، وللتاريخ ، ولكل الأشياء غير الملموسة التي لا تكيل بالبتنجان أي قيمة ، وبالتالي من العادي جداً أن يستمر في عهد الوزير الغضنفر مسلسل اختفاء كل ما يذكرنا بأي شيء ، بما فيه مسلسل "أوراق الورد" ، الذي اختفى "فجأة" من مكتبة التليفزيون - كالعادة - في ظروف غامضة ، ولكي يبدو الأمر مضحكاً ودمه خفيف ، كدم الضالعين فيه تماماً ، استقرت مبررات السادة الأفاضل في مكتبة التليفزيون على أن "المسلسل لم يعرض منذ فترة طويلة" "أو" (هل تتذكرون "عبلة كامل" في "وجهة نظر" : ب أو ت) "أن حق عرض المسلسل قد انتهى!

ناس دمها خفيف ، وما تقوله مضحك للغاية ، فذكر أشياء لا تخيل على طفل في الحضانة هو أمر باعث على الضحك شريطة أن يصدر ذلك من أشخاص خفيفي الظل ومسليين لأبعد حد ، مكتبة التليفزيون ما شاء الله ما شاء الله أصبحت مثل غرفة الفئران أو "الكرار" .. رغم أن المسئولين عن التليفزيون ووزراء الإعلام المتعاقبين يتباهون من حين لآخر بأنهم يجرون عملية تحديث لمحتويات تلك المكتبة - التي لا يعرفون شيئاً عن محتوياتها - و"تحويلها إلى النظام الرقمي" ، ويتباهى السيد "أنيس" بالذات بأنه حاول فعل نفس الشيء في الإذاعة ، بحجة أن هذا أحسن من أن نذكر المصريين بأن في بلدهم إذاعة.. وطبعاً اختفت من الإذاعة تسجيلات مهمة وتاريخية أثناء عملية "تنفيض الكرار" ، كما كانت التسجيلات التليفزيونية النادرة تختفي "قضاءً وقدر" من المكتبة إبان جبروت دولة "إيه آر طين" في مصر لتظهر - سبحان الله - في الـ"إيه آر طين" و "الأوربيت" وأماكن أخرى ، لا سحر ولا شعوذة.. في الوقت الذي تظهر فيه أخبار من عينة أن "التسجيلات ضاعت علشان سجلنا عليها حاجات واحنا مش واخدين بالنا" أو "التسجيلات باظت علشان قدمت" وربما "كلتها القطة".. ولا يخفى على أحد نشاط "القطط" في مكتبتي التليفزيون والإذاعة المصريين بالذات.. والقطط عادةً لا تبالي كثيراً بنوعية الوزير ورئيس الإذاعة ورئيس التليفزيون حين تبدأ تناول طعام غدائها المفضل ، وبالتالي ما كان يحدث قبل أن نسمع عن "أحمد أنيس" أصلاً هو ما حدث وهو رئيس لاتحاد الإذاعة والتليفزيون واستمر عند عودته هذه المرة وزيراً للإعلام .. عادي جداً..

أما ملف حقوق العرض نفسه فهو مسلٍ للغاية ، وله هو الآخر اسطمبات معروفة منذ أيام "أنس الفقي" ، من العادي أن نقرأ أخباراً في الصحف عن أن الوزير و/أو رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون قد أعلن تجديد حقوق الأفلام والمسلسلات التي اشتراها -بفلوسي وفلوسك- من الغير من حين لآخر ، ليؤكد لنا أن كله تمام والأمور تحت السيطرة ، نفس ما كنا نقرأه ونسمعه قبل الثورة هو ما نقرأه ونسمعه الآن وما سنقرأه ونسمعه بعد عشر سنوات ما لم تتغير العقليات التي تدير هذا المكان.. والغرض من الإصرار على توصيل تلك النوعية من الأخبار والإلحاح عليها هو جعلنا نشعر بأن "الناس دي بتشتغل" ، وهو فن لن ينهض هذا البلد إلا إذا تخلص منه وبأسرع وقت ممكن..

المشكلة ليست فقط "أوراق الورد" ، فعندما يتم الكشف عن سرقة شيء أو اختفاء شيء ، من المحتمل ألا يكون ذلك الشيء هو الوحيد الذي أصبح "فص ملح وداب" ، من المؤكد أن أشياءً أخرى أهم قد اختفت ، وأن هؤلاء الحريصين على صورتهم أكثر من أي شيء آخر يتكتمون الأمر ، أو يسعون لتوصيله لنا بالتدريج ، رغم علمهم بأن تلك الأشياء التي اختفت "تافهة" و "عديمة القيمة" بالنسبة لهم ، في الوقت الذي تظهر فيه فضائيات غير مصرية تعرض تسجيلات تليفزيونية شديدة الندرة ، وأفلاماً اختفت بالطريقة سالفة الذكر من التليفزيون المصري ، ومسلسلات أنتجها التليفزيون المصري نفسه (ولم ينتجها الغير كما يتحجج رجال "أنيس") ، كله عادي..

على مسئوليتي : توقعوا أن يظهر التليفزيون المصري وبشكل مصطنع ثوريته ، ووقوفه الدائم مع الثورة والثوار ، لا إيماناً والعياذ بالله بالثورة وقيمها وما قامت من أجله ، ولكن كوقاية وجنة من أي تغير سيحدث فيما بعد ، عندما سيظهر في مكان ما من السلطة من يفكر في إعادة هيكلة "ماسبيرو" و "الصحف القومية" ومن يفكر في كنس تلك الأماكن من كل ما هو ماركة "أحمد أنيس" و "عمر زهران" و "أسامة الشيخ" وكتاب الأعمدة في الصحف القومية كلهم أجمعين ، وساعتها ستظهر للعيان أشياء تعد بالنسبة لنا أندر مما فقد من مكتبتي التليفزيون والإذاعة ، ومن بينها "الفئران" و "القطط" التي كانت ترتع في تلك المخازن على مدى ثلاثين عاماً أو يزيد..
* الصورة لصاحب الدكانة من "محيط"..

No comments: