Wednesday, July 04, 2012

استقبل السيد الرئيس

لا تتناقض هذه السطور عما كتبته في مقدمة التدوينة السابقة ، لذا لزم التنويه..

عشت لفترة طويلة وأنا أسمع أخبار النشاط الرئاسي في صدارة نشرات الأخبار ، منذ أن كان كل ما له علاقة بالتليفزيون المصري لا يخرج عن قناتين لا تبثان معظم ساعات اليوم ، ومنذ أن كان مخرجو النشرات في ذلك الوقت حاتميي الكرم فيما يتعلق بتفاصيل لقاءات السيد الرئيس ، التي كانوا يملأونها بمقطوعات موسيقية كما يحدث حالياً في بعض دول الخليج.. قبل أن يغيروا طباعهم بإذاعة تلك اللقاءات والحوارات بالتفصيل الممل بعد النشرة ، في طلب ضمني ومهذب من التليفزيون المصري للمشاهد للبحث عن أي شيء آخر يفعله ، لا زال الكلام عن مرحلة القناة الأولى والثانية والإيريال ذي السلك.. وكان المرء يسمع مبرراً ليس فقط لهذا السلوك ، بل لقائمة طويلة من التصرفات الغريبة التي كان يقوم بها الإعلام المصري على مدى ثلاث عقود.. بدأ بعضها يذوي ، وبدأ بعضها الآخر تخف حدته مع "الرخرخة" التي أصابت مؤسسات الدولة في سنيّ "مبارك" الأخيرة لحساب قوة المال السياسي وإعلامه وجبروته وبلطجته..

لكن وبعد الثورة أصبحت على يقين بأن تلك السلوكيات الغريبة تبقى سلوكيات حكم ، مرتبطة بالسلطة ، كانت السلطة في يد الحزبوطني صارت بموجب الظروف الآن عرضةً لأن تكون في يد أي تيار كان ، ولو من الناحية النظرية ، يستوي في ذلك التيار الديني والتيار اليساري وتيار عصابة علي بابا المعروف اختصاراً بالمال السياسي المتلبرل ، تسمع من أولئك وهؤلاء انتقادات عنيفة للإعلام الرسمي الذي صنع الفرعون ولا يعرف غير استقبالات السيد الرئيس ونشاطات السيد الرئيس وحكمة السيد الرئيس ، إلى جانب الكلام المعسول إياه عن الديمقراطية وحرية الإعلام وحرية النقد وحرية الحرية ، لكن عندما تكون السلطة في اليد تختلف الأمور..

تذكرت مقالاً للكاتب "محمد القدوسي" نشر في أعقاب تولي حكومة "عصام شرف" يصف فيه بعض الصحف "المستقلة" بأنها تبادلت الأدوار مع الصحف "القومية" ، "عصام شرف" الذي عول عليه المالسياسيون طويلاً إلى أن انتهى دوره فانقلبوا عليه (كما ينقلبون دائماً على من تنتهي صلاحيته لديهم) ، لم يعر البعض التفاتاً كبيراً لما قاله الكاتب ، لكنه تحول إلى أمر واقع ، بل وذهب بعض الكتاب ورؤساء التحرير في مديح ونفاق زعمائهم ما لم يذهب إليه "سمير رجب" في نفاق المخليوع ، ولو تغيرت الظروف بعض الشيء لرأينا ذلك رأي العين على شاشات التليفزيون ، بما أن السياسات على الشاشة تأخذ وقتاً أطول كي تطبق بالمقارنة بصفحات الجرائد..

سلوكيات المحكومين لا تختلف كثيراً عن سلوكيات الحاكم ، خاصةً عندما يكون لدى أولي الطول من المحكومين ميديا يلعبون بها كيف يشاءون ، منهم من يجاري الموجة ، ويتعامل بنفس عقلية "استقبل السيد الرئيس" ، ومنهم من يستثمر في معارضة السيد الرئيس إلى أن يتحول إلى نهج "استقبل السيد الرئيس" عندما يصل مرشحه ، أو "برافانه" إلى السلطة ، ويصبح هو الزعيم الملهم الكبير قوي..

نقترب من ستمائة يوم منذ تنحي المخليوع ، وثقافة "بالروح بالدم" باقية على حالها ، وبدلاً من أن كان لدينا فرعون واحد أصبح لدينا فراعين ، ولكل فرعون من الفراعين أنصار وميديا ومجموعة منتفعين ، ستنتهز فرصة السلطة لتتحول قنواتهم كلها إلى القناة الأولى ، ويتحول كل مذيعيها إلى "أحمد سمير" و "زينب سويدان" و "صلاح الدين مصطفى" في سنوات الحكم المباركي الأولى ، وتستهل النشرات باستقبالات السيد الرئيس.. عاش الملك ، مات الملك ، وبالروح بالدم.. هاهاهاها.. (*$#@^#%#%)..
* الصورة من conniemah.com

No comments: