Thursday, July 05, 2012

علي الزيبق .. يتحدى الزمن

قصر السلطان ، عالي البنيان ، حجرات فضة وحجرات مرجان ، وأراضي بتاع ألفين فدان اسمها بستان ..

ربع قرن من الزمان مر على مسلسل يعد من كلاسيكيات الدراما المصرية والعربية على السواء ، تنسى حين تشاهده أشخاص نجومه وأسماء ممثليه وعلاقتك بهم ، من ستشاهدهم فقط هم "علي الزيبق" و "زينب" و "دليلة" و "سنقر الكلبي" وآخرين ، وليسوا "فاروق الفيشاوي" و "هدى رمزي" و "ليلى فوزي" و "أبو بكر عزت" على الترتيب..

لا أزعم أنه لم يظهر فريق لهواة المسرح أو في مسارح الجامعات في مصر إلا وقام بأداء تلك المسرحية يوماً ما ، هي ومسرحية أخرى لا أذكر اسمها لكاتب مسرحي كبير آخر هو "لينين الرملي" .. وعرضت تجارياً ضمن مسرح التليفزيون في تسعينيات القرن الماضي ، وعندما تتخيلها أو تحاول مشاهدتها يفرض المسلسل نفسه عليك..

قدم "يسري الجندي" الكثير للمسرح ، ولكن مسلسلاً كهذا حقق له في رأيي مجداً تليفزيونياً مستحقاً ، وهو يقدم فانتازيا تاريخية بديعة يستمدها من التراث الشعبي المصري ، لبطل أو منقذ أو .. أو .. أو أياً كان لطالما حاول البحث عنه في معظم أعماله ، ولكني أشعر أن واحداً من كل أبطاله ومخلصيه هو من نجح مع الناس وأحبوه : "علي الزيبق"!

بطل السينما الحلم انتقل إلى التليفزيون ، مبهر ، داهية ، خفيف الحركة ، شجاع ، يقع ، ولكنه يقف على قدميه من جديد ، ويعود أقوى .. لم يرتبط جمهور التليفزيون بشخصية بطل به هذه الصفات إلا مرة واحدة بعدها بعامين مع "رأفت الهجان" ، ذي الأصول الحقيقية هذه المرة ، حتى وإن كانت قصته حولت لرواية لـ"صالح مرسي" قبل أن يتم تقديمها كمسلسل..و"الزيبق" في المسرحية والمسلسل هو ابن لعالم خاص له لغة خاصة ومصطلحات خاصة ، كلها كانت جديدة على المشاهد ، بشكل يختلف حتى عن "ألف ليلة وليلة" التي كانت في عصرها الذهبي في عهد "فهمي عبد الحميد" ، لغة تستند على ركنين ، ركن الخيال وركن الواقع ، لغة وعالم تتذكرهما بأسماء ورموز (بنتكلم على مسرحية طبيعي يبقى فيها رموز كتير ، ويبقى الكلام عنها منطقي مش من باب "تسبيب ما لا سبب له") .. "علي الزيبق" ، "العياق" ، "حسن راس الغول" ، "الوالي" ، "دليلة" ، "سنقر الكلبي" ، "شميعة" ، وما يربطها من علاقات تشبه الواقع وقت كتبت المسرحية ، ووقت عرضت كمسلسل تليفزيوني ، ووقت تكتب هذه السطور.. بعبارة أخرى يمكن القول ببساطة أن الواقع هو "سنقر" و "دليلة" و "الوالي" و"القاضي حلاوة" (السلطة والتبعية للخارج والقهر الأمني ومثقفي السلطة وشيوخها وفسادها الاقتصادي و...و...)، أما الحلم والخيال فهو البطل المنتظر الذي يحقق حلم الضعفاء والمقهورين في هزيمة كل هؤلاء بعلاقاتهم بما يرمزون له ، فيم يمكن للناس أنفسهم أن يكونوا منقذي أنفسهم دون انتظار منقذ يعيش في أحلامهم وخيالهم .. بطل حاول "يسري الجندي" نفسه في تجارب ومغامرات أخرى تقليده ، لكنه لم يوفق .. كتب "ألف ليلة" و "السيرة الهلالية" ولم تكن في مستوى نجاح وجاذبية "علي الزيبق" .. ربما أغرمنا بالماكر الألعبان "علي الزيبق" أكثر من الفارس المغوار "أبو زيد الهلالي".. الله أعلم..

تجاوز جمهور المسلسل عن كل آثار المسرحة التي فرضت نفسها على المسلسل ، ربما بسبب "إبراهيم الشقنقيري" ، مخرج لطالما ينساه من يكتب عن الدراما المصرية رغم أنه من كبار مخرجي الدراما التليفزيونية المصريين والعرب ، قرأ النص المسرحي بعقلية مخرج تليفزيوني يريد أن يحول مشاهد مسرحية تقليدية إلى دراما تليفزيونية حية ومتحركة تشعر بسرعة إيقاعها ومطارداتها وتلاحق أحداثها ، بإمكانات 1987 .. التي لا تقارن بإمكانيات الآن.. وكان معه ممثلون كانوا جزءاً لا يتجزأ من نجاح "علي الزيبق" .. وكان أداء الراحلين "أبو بكر عزت" و "ليلى فوزي" لا ينسى .. لكن ممثلاً ثالثاً يبقى دون غيره علامة فارقة ، "حمدي أحمد" وهو يؤدي دور "القاضي حلاوة" ، أسوأ أشرار المسلسل عن جدارة واستحقاق ، قاض ورجل دين في خدمة الاستبداد ، لعبه بأسلوب أراه مذهلاً ، الشرير الوغد الرقيع في نفس الوقت ، نموذج الشر الثعباني الذي يحمل في طياته لمسات من مهرج قد يكون أكثر فعالية بكثير من نموذج الذئب الشرير التقليدي وهو يوصل حالة من أخس وأحط الحالات في أي مجتمع.. رد "القاضي حلاوة" اعتبار "حمدي أحمد" كممثل كبير بدأ حياته ببطولة فيلم من أهم أفلام السينما المصرية قبل أن تدير له السينما ظهرها ليفتح التليفزيون له أبوابه مع ممثلين كثر ظلمتهم الشاشة الكبيرة ليحفروا أماكنهم في ذاكرة أجيال بأكملها..

لا يمكن الكلام عن "علي الزيبق" بدون تتراته ، التي كتبها "عبد الرحمن الأبنودي" ولحنها "إبراهيم رجب" المتأثر كثيراً بـ"سيد مكاوي" في العادة ، لكنه ظهر بشخصية مميزة كملحن وواضع للموسيقى التصويرية ، لم يخل تتر المقدمة من تمهيد أراه بارعاً لدراما المسلسل ، ولعالم المسلسل ، ما بين السلطان ..

قصر السلطان عالي البنيان..حَجَرة بفضة و حَجَرة بمرجان..و أراضي بتاع ..ألفين فدان..اسمها بستان ..مليان أجراس .. مليان حراس..بقلوب ملهاش شبابيك و بيبان..جدران تولد في الليل جدران..و ده كله واقف على عمدان..أمال ازاي يبقى السلطان

والوالي :

قصر الوالي طبعا عالي..مليان حتى لو الكون خالي..بدهب و فاروز .. و كنوز في كنوز..و ان شبعت بطنه اليد تعوز..و ان عازت يده السرقة تجوز..يضحك نبكي إحنا ..طوالي..أمال ازاي يبقى الوالي

وعامة الناس :

و بيوت الناس .. لا حيطان ولا ساس..ولا ليها لون و لا ليها مقاس..و .حيطانها طين .. أصواتها أنين..و غناها حزين

الذين ينتظرون مخلصهم المنتظر :

وفي وسط الضلمة تهل انت..ولا نعرف من فين أو إمتى..ترفع بنيان الغلبان..وتطاطي بنيان الوالي..و ترَقص قصر السلطان

ولم يحتج "إبراهيم الشقنقيري" أن يحرق لك المسلسل في التتر ، اكتفى بلوحات بديعة هي للفنان الكبير "حلمي التوني" على ما أذكر ، هي جو المسلسل وما يحمله من صور وإشارات في ذهن المشاهد.. ولم يحتج أن يفرض - على غير العادة - مطرباً واحداً لغناء تتري المسلسل ، فالأغنية لسان حال الضعفاء الذين عانوا من السلطان والوالي وتوابعهما.. هكذا رآها "الأبنودي" و "رجب" وبالطبع "الشقنقيري"..

"علي الزيبق" مسلسل يستعصي على النسيان رغم مرور ربع قرن أو أكثر ، تختلف مع منطقه وتقع في حبه ، صحيح أن العديد من المواقع كتبت أن المسلسل عرض عام 1985 ، لكني أذكر جيداً جداً أنه عرض لأول مرة في التليفزيون المصري في أعقاب عيد الأضحى عام 1987.. أرقام السنوات كانت رنانة وتذكر سامعيها بأزهى عصور الدراما التليفزيونية المصرية ، التي تحتاج إلى ما هو أكثر بكثير من ألاعيب "علي الزيبق" وشجاعة "أبو زيد الهلالي" وربما قوة "مازنجر" وآلييه مجتمعين.. لكي تفيق..
* تتر ختام المسلسل من "اليوتيوب".. قدري إني أجيب لينك من اليوتيوب قبل رمضان كل سنة.. :)

No comments: