Saturday, July 07, 2012

مبروك علينا الإعدام يا رجالة

إدوني عقلكم يا حضرات..

"س" من الناس ارتكب جريمة بشعة ، بشعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، هذا الـ"س" قد اعترف ، ضبط متلبساً ، أياً كان ، وتنتظره محاكمة "قد" يدان بعدها رسمياً ، إن لم يتوصل أحد المحسوبين على مهنة المحاماة إلى تخريجة تكفل له الخروج من حبل المشنقة حتى ولو كان مرتكباً لجريمته مع سبق الإصرار والترصد ، ماشي .. لماذا نرى وسائل الإعلام وقد تهافتت إذ فجأة على أن تقوم بعمل تحقيق صحفي في بيت السيد "س" الذي أصبح مجرماً كبيراً وقد الدنيا دية وقد عينيا دية وقد حياتي .. مع الاعتذار لـ"هشام عباس"..

والتحقيقات التي تجريها الصحف والفضائيات في ذلك الشأن لا تخرج أبداً عن نماذج الوزارة ، وتستطيع توقع نتيجتها وفحواها قبل أن تقرأها أصلاً.. ولن تخرج عن الاحتمالات الآتية:

1-"س" طيب وابن حلال وعلاقته ممتازة باللي حواليه ومضرب الأمثال في الخلق والأدب وعايش في حاله وماشي جنب الحيط..

ماشي ، لماذا ارتكب الجريمة إذن؟

2-"س" خمورجي وفلاتي وحشاش وبيضرب الكلة بالجزمة ومعلم على المنطقة بحالها ولا إبراهيم الأبيض..

لا.. الصراحة نورتوا المحكمة.. ما هو المشوق والاستثنائي وغير الطبيعي في أن أعرف أن شخصاً بهذه السيرة يرتكب جريمة شنيعة كتلك؟

3-"س" مختل عقلياً ، عمل حادثة يا عيني ، ومن ساعتها وهو بيشرب ترامادوكس وبيعمل حاجات غريبة..

وفي الغالب يطلق هذا الإكليشيه في أعقاب جريمة مدبرة بحرفية بالغة لا تخرج من شخص "مونون" أو "مسطول" أو "ضريب" ، جريمة تحتاج لعقل منظم للغاية قد لا يتمتع به أشخاص يصنفون طبقاً لاختبارات ومقاييس الذكاء المعترف بها علمياً بأنهم عباقرة..

ما هو الغرض إذن من تلك النوعية من التقارير؟ هل..

1-للتعاطف مع المجرم المعترف دون أي ضغط أو ترهيب أو إكراه مادي أو معنوي ، والتصديق بأنه بريء ، وبأن التهمة قد تم تلفيقها لسيادته خصوصاً عندما يضاف إلى ما سبق أنه تم ضبطه متلبساً؟

2-للتأثير على المحكمة والرأي العام ، خاصةً أن حيلة "المختل عقلياً" دائماً ما تستعمل في دول كثيرة لتبرئة مجرمين من جرائم قتل..

3-لمحاولة إلباس المتهم أشياءً أخرى بجانب جريمته الأصلية التي سيعاقب عليها؟

أياً كان ، دعوني أزيدكم من الشعر بيتين ، الأول أن إدارة تلك النوعية من التغطيات غير المجدية وغير المفهومة لها علاقة بـ 1)علاقة النظام السياسي السائد بطرفي الجريمة ، 2)علاقة وسائل الإعلام - ومموليها طبعاً- بالنظام السياسي السائد وطرفي الجريمة ، 3)كون الجاني و/أو المجني عليه ذا طبيعة خاصة ، كأن يكون معتنقاً لدين مختلف عن الآخر ، أو أن يكون أحدهما شخصية مشهورة أو أن يكون أحدهما منتمياً لمؤسسة "ذات حيثية" داخل المجتمع..

والبيت الثاني ببساطة أنه في العديد من تلك التقارير نشاهد هذا الإكليشيه "وقد ذهبنا إلى منزل عائلة س بالمكان الفلاني ولكنهم رفضوا التصوير".. وهذا له أكثر من سبب محتمل : 1)أن يكون "س" سيء السمعة فعلاً ،2)أن يكون أهله أضعف وأهون من أن يواجهوا مجتمعاً بأكمله ، 3)أن يسعى صناع التقرير لتوصيل رسالة ما عن "س" و عن عائلته.. بما أنهم قد رفضوا بشكل مبطن لقاء عائلة "س" أصلاً..وفي بعض الحالات تجد رد الفعل على قمة النقيض ، أن يصر أهل "س" على الظهور في التليفزيون وبشكل مكثف ، سواء في الفضائيات المصرية أو العربية ، ويتحدثون باستفاضة ، إما لمحاولة التأثير أيضاً على المحكمة والرأي العام ، كما سبق الذكر ، أو لاستدرار التعاطف "وبتحصل لما يكون ارتكب الجريمة فعلاً بدم بارد" ، أو عندما يريد ممولو فضائيات وصحف بعينها (باعتبار إن الصحف والفضائيات بيكبوا على بعض) منهم فعل ذلك..

تماماً ككلاسيكيات الفيلم الهندي ، الشرير يتسبب في عمى والد أو والدة البطل ودخول البطل السجن فيخرج البطل من السجن لينتقم من الشرير وتحدث المعجزة ، فاصل من الإكليشيهات والحوارات والتثبيتات والحبشتكانات ، ودمتم.. ولأجل مزيد من الـ suspense قد نشاهد المجرم الموقر وجهاً لوجه على طريقة فيلم "سفاح النساء" أو "وش إجرام".. إعلامنا لا يحرمنا من أي شيء ، ويعرف أنه يهمنا أن نعرف العلاقة بين "طه المجرم" و "طه الإنسان".. كما كان الحال في سنوات الحراك السياسي إياها..

والكلام ليس فقط عن التغطيات التي أعقبت جريمة السويس الأخيرة ، بل وأيضاً مجزرة "بني مزار" وجريمة مقتل ابنة "ليلى غفران" ، وخلي القوس مفتوح.. الإعلام دة طاهر وحيفضل طول عمره طاهر ، وسيظل يلمع ساسة ، وفنانين ، ومثقفين ، ومجرمين أيضاً..
* كنت أعتزم تسمية هذه التدوينة بعنوان بذيء ، بالمناسبة.. الصورة حملتها بشكل غير مباشر من Arabfilms forum..

No comments: