Monday, October 01, 2012

.....ويخيلوا

تذكرت ما كتبه يوما "إسحاق روحي" مدير التحرير الأسبق لجريدة "النبأ" ، والذي مفاده أن القطاع العام أصل الاستهبال ، وأن القطاع الخاص يهرع على أثره ويتبع نفس خطواته .. أمر تؤكده الأخبار والمشاهدات وتثبته في العقل كحقيقة وليس كمجرد افتراض يحتمل الصواب والخطأ..

ولكن لدينا في مصر تعبير جميل مكون من كلمتين بينهما أداة عطف : يعملوها ويخيلوا..

وسواء أكان المقصود "يخيلوا" بكسر الخاء ، أو "يخيِّلوا" بفتح الخاء وتشديد الياء ، المحصلة واحدة ، دائماً ما كان رجال الأعمال وموظفو أبواقهم الإعلامية ما ينتقدون الحكومات المتعاقبة على سوء أدائها المحشو بالمحسوبية المغلف بالواسطة المنقوع في مياه الفساد ، على العكس منهم بما أنهم "مانجة وصفاية موز" - مع الاعتذار لـ"نجيب الريحاني"- وبما أنهم يقدمون أنفسهم لقيادة مصر من حضيض التخلف إلى زمن أفلام "الريحاني" نفسه ، والمفارقة أن ما تراه من نقد عنيف للأداء الحكومي وتلميع ورنيشي لأداء باشاوات البيزنس يقابله على الأرض تقابله أشياء أخرى على أرض الواقع..

في مؤسسات المال السياسي الاقتصادية والإعلامية كوسة وقرع وبتنجان أبو خل من الذي وصى عليه الحكيم "شكوكو" ، والواسطة تجري ورا الواسطة عايزة تطولها ، وتمييز من اللي قلبك يحبه على أساس النوع إن لم يكن على "أسس أخرى" ، وسوء تصرف مسخسخ ، وإدارة حمقاء للأزمات مع المجتمع والسلطة .. أمور لم يعد من المجدي التفكير في إنكارها ، ولا يحتاج المرء لدرجة علمية جامعية عالية في الإدارة ليعرف ، أن المؤسسات الجديدة تتشرب المدرسة السائدة في الإدارة بما لها وبما عليها ، وليس في ذلك مشكلة ، لكن المصيبة أن من ينقد وينتقد ويقول أنه "مش وش ذلك" هو "ذلك" وستين "ذلك".. سأكتفي فقط بأمثلة غريبة تقع في دائرة اهتمام "فرجة" ويراها القاصي والداني..

من المسلي مثلاً أن تجد برامج وصحف تنتقد المحسوبية في تعيين المسئولين والمذيعين في وسائل الإعلام ، في حين نجد في واحد من أكثر البرامج مشاهدةً على مستوى الفضائيات "الخاصة" شخصاً كل مؤهلاته أنه محام ومحكم دولي ليهبط بالباراشوت على ذلك البرنامج الجماهيري مذيعاً ، رغم أن لياقته صوتاً وصورة للوقوف مجرد الوقوف أمام الكاميرا تشبه لياقة الراحل "فؤاد خليل" كمطرب ، لو حدث ذلك في "ماسبيرو" ستجدون ردود أفعال مختلفة تماماً.. في الوقت الذي نجد ذلك جريمةً شنعاء وعاراً وشناراً لا يمحوه إلا الدم في التليفزيون الممول بأموال دافعي الضرائب ، يعتبر ذلك "مية فل وعشرة" في قنوات رجال الأعمال الذين بنوا ثروتهم على الاقتراض من بنوك المال العام!

ويعيب بعضهم على النظام السياسي قبل وبعد الثورة أنه يعمل على منح المناصب "بالزاف" على رأي أشقائنا المغاربة لأشخاص بعينهم ، بل ودبج أحد صحفييهم الملاكي قبل سنوات كتاباً كاملاً ينتقد فيه رئيساً أسبقاً للوزراء بتهمة "التكويش على المناصب" ، في حين نجد أن صاحب القنوات عبقري البيزنس والعقلية الاقتصادية المعملية الفذة يمنح لشخص ما تقديم برنامج "توك شو" جماهيري يومي ، ورئاسة تحرير جريدة يملكها ذلك البيزنسجي تصدر يومياً للرجل الخارق بسلامته الذي يستطيع توظيف عقله الجبار لإدارة جريدة يومية يعمل بها جيش من العاملين والموظفين والصحفيين ، ولإدارة برنامج "التوك شو" اليومي الذي يعمل به جيش من المذكورين لا يتخير عن الجيش الأول ، وينتظر منا ذلك البيزنسجي ألا نسأله عن الثروة التي يغرف منها سيادته لأولئك وهؤلاء ، فيم نرى في برامجه وصحفه الملاكي من ينتقد طول قائمة أسماء برنامج أو مباراة منقولة على الهواء معتبراً ذلك إهداراً للمال العام ، مع أنه (="البيزنسجي") كان يغرف من ذلك المال العام بلا حساب!

ينتقد البيزنسجية الإعلام الرسمي بكل ما أوتوا من قوة ، ويجعلوه لبانتهم التي يمضغونها ليل نهار ، وهم يستعينون في قنواتهم بكوادر منه نفسه ، محملين بكل سلبياته ، وبعقلية الموظف الذي يتقن وضع الحمار في المكان الذي يأمره فيه صاحبه ، ومن العادي أن نجد صحفياً من بتوع "اخترناه اخترناه" في برنامج على قناة "أحدهم" وقد أصبح شعاره "أنا ثوري وأبويا ثوري .. بسماري ولوني ثوري" ، أو أن نجد مذيعة منوعات أو قارئة نشرة فاشلة تعوج لسانها لتقليد مذيعي قنوات الجاز وقد تحولت بقدرة قادر لتقديم برنامج ترطن فيه بنصف قاموس الحنجوري ، تتشنج فيه بعبارات أتحدى إن كانت تعرف ثلث معناها ، وتلهج فيه بلسان ثورة قامت من أجل ألا يقف أمثالها أمام كاميرا ومن أجل أن يلحق مشغلوها السابقون والحاليون بنزيل "طرة"..

الحال إذن من بعضه ، لا فرق بين إدارة حكومية متكلسة متيبسة عفا الزمان على ما يزيد على التسعين في المائة من أساليبها وتكتيكاتها ، وبين مال مراهق قرر الدخول في روليت السياسة القذر أخلاقياً يقدم نفسه على أنه المخلص والمنقذ ودافع عجلة التنمية ، وإن وجد فرق فهو البجاحة وانعدام الدم الذي يتمثل في رمي الآخرين بكل ما فيه من نقائص وعيوب..

استقيموا يرحمكم الله..
* الصورة من "إيجيبتي"..

2 comments:

يحدت فى بلد المحبوب said...

So Gr8 - i am following your blog since a long time ago and it is so clear and the shortcut to the truth :)

قلم جاف said...

Really thanks for your nice words, and I hope to be at your expectations :)