Thursday, October 18, 2012

فرقة الأصدقاء : مشروع التمرد المشروع

الفرق بين "الأصدقاء" و"المصريين" هو الفرق بين الإصلاح والثورة ، الثورة تعنى بهدم كل ما هو قديم وإعادة بنائه من جديد على أسس مختلفة ، بينما يعنى الإصلاح باستخدام المكونات الموجودة بشكل مختلف لتحسين أدائها ككل ..

"عمار الشريعي" ، عازف الأوكورديون الموهوب(1) الذي هجره إلى العود ، لتصبح ضربة عوده أبعد من كونها بطاقة شخصية ، هو رمز للتجديد المحافظ في الموسيقى المصرية ، ربما أكون مخطئاً لكن هكذا هو تقديري ، يعد امتداداً لحركة موسيقية غنائية تقليدية ، استمد لغته الموسيقية ليس فقط من التراث والفلكلور ، بل أيضاً من طابور طويل من الملحنين الذين صنعوا شكل الأغنية التقليدية الجماهيرية المصرية ، طابور بدأ بـ"سيد درويش" و "السنباطي" و "القصبجي" و"زكريا أحمد" مروراً بـ"كمال الطويل" و "الموجي" و "منير مراد" و "سيد مكاوي" ، أعاد توظيف ذلك الإرث بشكل جديد يناسب العصر ، وبتكنولوجيا كان من أول من قدموها في مصر والعالم العربي ، ولكن مع الاحتفاظ بنفس الروح المحافظة التقليدية .. المفارقة أنه في الوقت الذي كان يؤلف فيه "هاني شنودة" على الكيبورد ، كان العود ، الآلة التي ترمز لتقليدية الموسيقى العربية وتقاليدها ، الآلة المفضلة لـ"الشريعي" ، والتي تحولت علاقته بها إلى علاقة إنسانية أكثر منها فنية..

حتى عندما قرر "عمار الشريعي" التمرد على نفسه وعلى شكل الموسيقى التقليدي خاض تمرده بشكل محافظ ، استلهم في فرقة "الأصدقاء" روح "الثلاثي المرح"-تجربة "علي إسماعيل" الملهِمة- وهو يختار مطربي فرقته الثلاثة ، الشباب الدارس للموسيقى ، والأصدقاء على المستوى الشخصي "منى عبد الغني" و"حنان" التي اعتزلت واختفت ، و"علاء عبد الخالق".. كان الثلاثة في الواجهة كما كان الثلاثي المرح ، في الوقت الذي لا نعرف فيه الشيء الكثير عن مطربات "المصريين" وعن المطربين الذين حلوا بطريقة "الترانزيت" على "المصريين" من أمثال الراحل الجميل "عمر فتحي" .. خدم ظهور الثلاثي أفراده عندما قرروا الاستقلال فيما بعد ، لأن الجمهور تعرف إليهم بشكل أفضل ، بحكم كونهم "في الوش"..

وأمام دماغ "صلاح جاهين" الثورية الدائمة التمرد كانت الدماغ الإصلاحية لدى "الأصدقاء" هي ما صاغ رؤية الفريق وخطابه الغنائي للناس ، بدءاً بـ"عمر بطيشة" الإذاعي المتمرس والشاعر الذي كتب للأسماء الكبيرة في ذلك الوقت ، ومروراً بـ"سيد حجاب" الذي يشبه "عمار" في كثير ، الشاعر الذي جعل الدراما ديوانه ، والذي سأكتب عنه بإذن الله بشكل مستقل ، استلهم هو الآخر لغته من التراث الشعبي القديم ولغة الناس ليصيغ بها كلمات عاشت في وجدان من سمعها.. وإن كان أضاف لها بعداً درامياً ، سواء على مستوى الحكي أو على مستوى الحركة بعد غلف كثيراً مما كتب فيمَ بعد..

لم تستمر "الأصدقاء" طويلاً ، وإن كان ذلك أمراً متوقعاً بما أنه في الموسيقى المصرية التقليدية والتي - كشأن التراث العربي - لا تعترف بالعمل الجماعي ، لا تعيش الفرق فترات زمنية طويلة ، بل إن ما فاجأني أن عمر الفرقة الغنائي بدا أكثر مما توقعته وأعرفه ، أربع ألبومات ، لم نعرف منها إلا ما أذيع ، ويحمل روح الفرقة ككل ، ولم تحلق طيور "الأصدقاء" الثلاثة طويلاً رغم معرفة الجمهور بهم.. خان "منى عبد الغني" ذكاءها كثيراً ، ولم يصادف التوفيق "حنان" ، ووجد "علاء عبد الخالق" نفسه في مرمى مولد التكفير الغنائي والموسيقي للأغنية الشبابية ، وبرغم عنايته الشديدة في اختيار الكلمة واللحن التي تأتي بعد الثلاثة الكبار "الحجار" و "الحلو" و "منير" ذوى وانزوى.. وحتى عندما عثر "عمار" في "هدى" على ما وجده من قبل في الثلاثي لم تستمر طويلاً واختفت لتعود لتختفي.. بينما استمر "عمار" كملحن ، ثم تحول تركيزه إلى الموسيقى التصويرية فأصبح فيها نجماً ، وحصل فيها على حريته التي كانت تقيدها قوانين الأغنية المصرية وقواعد لعبتها ، وشكل مع "سيد حجاب" ثنائياً يحظى بفصل كامل في تاريخ الدراما العربية..

لكن حتى بعد مرور ما يزيد عن العقدين على تفكك تلك الفرقة تبقى جزءاً من ذاكرة الثمانينيات الموسيقية المفترى عليها ، حتى وإن كانت الجزء "الرسمي" الملاصق والمغازل للذوق الموسيقي الرسمي من حركة موسيقية قررت التمرد على السائد ، ولو على استحياء..
(1) الكلام لـ"الشريعي" نفسه.. والصورة من الويكيبيديا لغلاف أحد ألبومات الفرقة "مطلوب موظف" والذي كتب كلماته بالكامل "عمر بطيشة"..

2 comments:

هدى said...

حلو الكلام..

قلم جاف said...

كلام جميل :)