أكتب هذه السطور قبل يوم واحد من اليوم الذي حدد رسمياً لعرض فيلم "احكي يا شهرزاد" .. والذي ثارت حوله أزمة كبيرة قبل عرضه بفترة ما بين معارضين له يطالبون بمقاطعته وبين مؤيدين متحمسين له على طول الخط ، وموقف الأخيرين أغرب..خاصةً أن منهم من "يطالب بعدم التسرع في الحكم على الفيلم قبل صدوره".. رغم أنهم فعلوا نفس الشيء!
حتى مع تسليمنا بأنه لا يجب الحكم على فيلم قبل مشاهدته ، لكن يبدو للتوجس قبل أي فيلم ما يبرره بحكم أن الإنسان دائماً عدو ما يجهل ، سواء أكان ما يجهله صفر على اليمين أو ثلاثة على اليسار ، لكن ما يصعب فهمه وتفهمه هذا التهليل الشديد للفيلم قبل عرضه..
لا يعرف المؤيدون عن الفيلم سوى المقالات والتسريبات والتريلر فقط ، تماماً شأنهم شأن من سنوا سكاكينهم له ، ومن المؤيدين صنف لا يمكن إنكاره بين مشاهدي الدراما في مصر ربته وسائل الإعلام على أن "مناقشة القضية" هي غاية المراد من رب العباد ، ويا سلام لو كان التناول يخدم "المصلحة الفكرية" لدى هؤلاء ، ساعتها تنهار كل المواعظ التي يصدعون بها آذاننا عن السينما ومستوى الأفلام و ..و... و...وبصراحة هذا النوع-خاصةً بعض أفراده القريبين والضالعين في الميديا- يجعلنا نستحق وعن جدارة ما وصلنا إليه من هيافة ، طالما أن الأفلام يتم الحكم عليها بمعيار سطحي وتافه ، وقدم لنا بالفعل أنماطاً من أنصاف الموهوبين ، إما أن تحاول افتعال أي شيء ليظهر بمظهر الجدية ، كلقطة دخيلة لمظاهرات الاعتصاميين أو أي ذقن من الباب للطاق (مع عبارتين بالفصحى من عينة "عليك اللحمة" ..آل يعني بيعادي التطرف) ، أو أي شخص "مكرش" تبدو عليه آثار النعمة ليقوم بدور رجل الأعمال الفاسد ، أو أي شخص يقوم بدور الصحفي المقاوم للفساد الذي يواظب على المظاهرات والاعتصامات ويسمِعنا "البقين" المعتادين من عبيط القرية في الدراما العربية على مدى ثلاثة عقود ، أو أنه يتستر وراء "القضايا" لتبرير قزامته الفنية ونقص موهبته ، ومن هذه الأمثلة لدينا كثر كثرة الهم على القلب..
ولا أستطيع أن أناقش هذه الهيافة بشكل أراه غير هايف دون أن أتحدث عن الحملة الدعائية المصاحبة للفيلم..ودون أن أتحدث بالتبعية عن منتج الفيلم "كامل أبو علي"..
"كامل أبو علي" منتج "صنايعي"أكثر منه فنان - عكس "حسين القلا" مثلاً- وهذا ليس عيباً في ذاته أن يكون ضمن المنتجين منتج حريص على الربح كهدف "مشروع" -هو بالمناسبة منتج "خيانة مشروعة" :)- ولكن تحت أسلوبه في الدعاية ضعوا مائة خط..
قبل عرض "حين ميسرة" فوجئ جمهور السينما ومتابعوها بلقطات تم تسريبها إلى صحيفة مستقلة معروفة ، وفي الوقت الذي يضج فيه أي فنان بتسرب أي لقطة من فيلمه ، لم يحرك السيد المنتج ساكناً ، فكل ذلك تم برضائه ،بل بتعليماته..
كان هدف "كامل أبو علي" هو ضرب عصفورين بحجر واحد ، العصفور الأول هو عمل bruit للفيلم ، ضجة مصاحبة وعنصر إثارة وتشويق ، والعصفور الثاني تسويقي على المدى الطويل، يشبه استراتيجية فرق المصارعة الحرة .. ففي المصارعة الحرة لا يعتمد المنظمون فقط على المصارع المحبوب كي يدفع فيه الناس التذاكر وتصبح العروض مثيرة من أجل البيع لشبكات التليفزيون ، بل تعتمد أيضاً على المصارع المكروه الذي يحترمه الناس لقوته ويستعدون لدفع المزيد من المال ليروه "مضحضحاً".. الشيء نفسه ينطبق على الممثلات تحديداً في مجتمع يعلم "كامل أبو علي" تماماً تركيبته، قد لا يحب في معظمه "سمية الخشاب" - غير مقنعة كممثلة في رأيي الشخصي - بسبب نوعية الأدوار التي تقوم بها ،ولكن لديه "فضول" لمشاهدة المذكورة في الفيلم ، مهما كانت نوعية الدور أو المشكلة المثارة حوله..
في الواقع ، لا يهم "كامل أبو علي" أن ينشغل الناس بالمشكلة المثارة حول أي دور عن الفيلم نفسه ،كما حدث مع "مشهد الشذوذ" في "حين ميسرة" وتكرر في "احكي يا شهرزاد" ..فالمحصلة في جميع الحالات واحدة: تذكرة تضاف إلى التذاكر وأرباح وإيرادات .. لا قضايا ولا حرية ولا أي حنجوري من الصنف الذي يحاول الصحفيون الموالون لسيادته إقناعنا به..
جديد البروباجاندا عند السيد "كامل أبو علي" هو محاولته نفاق "المثقفين الجدد" والناشطين ، الذين أصبحوا رقماً صعباً في التكوين الجديد للسوق في مصر ، ولذا فقد اعتنى بهم جداً نفس عنايته بالمراهقين في التريلر والصور واللقاءات والبرامج والمقالات.. وأنا على ثقة بأن هناك من المنتجين الآخرين من ستعجبه اللعبة ، وسيسعى سعياً لحشر أي إشارات عن التطرف الديني والاعتصامات والمظاهرات في سياقات لا تحتمله درامياً ولا فنياً..
باختصار ، أجد نفسي أمام "شيء مش راكب على بعضه" .. دعاية تتملق المراهقين والمثقفين في نفس ذات الوقت ، على الرغم من المواقف المعلنة للعديد من صناعه وبينهم "وحيد حامد" نفسه الرافض لـ"سينما اللعب على الغرائز" .. دغاية تهدف إلى إثارة الفضول وأيضاً الاستفزاز قبل عرض الفيلم وبالمرة العيش في دور الشهيد ضحية التزمت والتطرف وبلدي وحبايبي والمجتمع والناس.. وكنتيجة لذلك ستنطلق المظاهرات، مع أو ضد ، وسنسمع الحنجوري ، وستشرق شمس الهيافة من جديد.. خاصةً بعد أن نكون صدقنا الشبورة الدعائية ، وبعد أن نكون قد "فقعنا في الوخ"!
ويبدو والله أعلم أن مسألة الهيافة تحولت إلى "البيضة والفرخة" .. لا تعرف أيهما يأتي أولاً.. هيافة بعض صناع السينما أم هيافة بعض الجمهور ..وما أقبح الهيافة عندما تتستر وراء قضايا يتاجر بها أولئك أو هؤلاء..
ذو صلة: للمغفلين فقط..
المدون: كتبت هذه السطور قبل صدور الفيلم تجارياً والمقرر له حسب وسائل الإعلام الرابع والعشرون من الشهر ،ونظراً لبعض السخافات التقنية فقد تأجل نشره إلى اليوم..
* الصورة من "أخبار اليوم".. وبالمناسبة اللقطات التي تم تسريبها "عاملة شغل" .. وطاردني بعضها أثناء البحث عن الصورة المناسبة للتدوينة..
* الصورة من "أخبار اليوم".. وبالمناسبة اللقطات التي تم تسريبها "عاملة شغل" .. وطاردني بعضها أثناء البحث عن الصورة المناسبة للتدوينة..
2 comments:
اسوأ حاجة في الدعاية التليفزيونية للافلام السينمائية المصرية
هي ان الاعلان لابد ان يرضي جميع الاذواق
يبدأ التريلر بمشهد اغراء ثم مشهد اكشن و بعدها حوار جاد لمحبي الجد
و لازم التريلر يحتوي على قفشة كوميدية علشان عشاق الهيافة مايخدوش على خاطرهم
و برضة حتى سياسة علشان المثقفين يقولوا ان الفيلم دة بتاعهم برضة
و في الاخر يخرج الفيلم بلا تصنيف
ماتعرفش دة كوميدي و لا سياسي و لا رياضي ولا ايه؟
تحياتي
هى منى زكى ماتباستش قبل كده
بس كانت مقضياها احضان
صراحة مش شايف فرق
و شكرا
Post a Comment